وفي السماء رزقكم وما توعدون

الاخوة والاخوات الافاضل الســلام عليكــم ورحمــة اللــه وبركاتــه و فـي السمـاء رزقكــم ومـا توعـدون
طيف
يبلغ من العمر ثمانية عشرة عاما ً ، نشأ في أسرة فقيرة وكان أصغر فرد
فيها ، تخرج من الثانوية العامة بتقدير لم يسمح له بالحصول على التعليم
المجاني في الجامعات الحكومية لأسباب مجحفة مما اضطر أهله إلى التفكير في
تدريسه في جامعة خاصة ذات كلفة باهضة جدا ً بالمقارنة للمستوى المادي
للأسرة ، فقد كان أخر أحلام أم كافحت بنضال لتربية هذه الأسرة وإخراجها
لحيز الوجود بعد أن توفي زوجها عن عمر يناهز (36) عاما ً تاركا ً على كاهلها ثمانية أطفال أكبرهم سنا ً كان يبلغ ( 15 ) عاما
ً وأصغرهم في رحمها لم يلد بعد .فكان على طيف قبول الدراسة الجامعية من
أجل أمه وحلمها أكثر من أي شيء آخر، فدخل الجامعة وقلبه يعتصر لحرمانه حقه
في التعليم الجامعي المجاني.
بدأت حياته الجامعية في كره شديد للجامعة وللدراسة التي شكلت عبء ً كبيرا ً
على أهله وعلى نفسيته بالظلم الذي مني به من جراء ذلك الحرمان ، وما كان
يتعبه أكثر صبيحة كل يوم من أيام الدراسة عندما كان ينتظر أخذ المصروف من
والدته مما وفره له إخوته وأمه ، فأول أيام الدراسة كان قد منع عن العمل
الذي مارسه منذ نعومة أظفاره بعمر ثلاثة عشرة عاما ً
وفي يوم استيقظ طيف في الصباح كالعادة ، لبس قميصه وبنطاله الوحيدين الذين
كان يرتديهما طيلة أيامه في الجامعة فلم يكن لديه غيرها ولم يكن يطلب
المساعدة لشراء غيرها ، أراد الذهاب إلى الجامعة ، وكالعادة وصل إلى الباب
دون أن يطلب من والدته مصروفا ً قد يكون احد إخوته الخمسة وفره له لدى
والدته ،
أوقفته أمه وقالت له :انتظر يا طيف كي أحضر لك مصروفك وقف طيف بانتظار
وجهه محمرا ً من الخجل كالعادة ، وتفاجأ أن أمه لم تذهب إلى غرفة في البيت
تحضر له النقود ، لا بل خرجت من باب البيت قاصدة جارتها محضرة ً له المصروف
منها كدين .
حضرت الوالدة وقدمت له المصروف المتواضع ، نظر إليها والدمعة محتقنة في
عينيه تكاد تنفجر ، فينظر إلى وجه أمه تارة وينزل في نظره إلى يديها تارة
أخرى ويكاد ينفجر بكاء ً ، فطأطأ رأسه إلى يد أمه وقبلها ولم يأخذ المصروف ،
وقال لها :أقسم بالله العلي العظيم لن اخذ منك مصروفا ً بعد اليوم أبدا ً ،
ولن أذهب إلى الجامعة ما لم تذهبي إلى الجارة وتردي إليها ما أخذته منها
حاولت أمه إقناعه كثرا ً، وكن طيف أصر والدمعة محبوسة قائلا ً:لا عشت ولا
تعلمت إن جعلتك ممن تدق باب الجارة من أجل استدانة المال ولم يذهب طيف
إلى الجامعة إلا لما أعادة أمه المال لجارتها ، فذهب إلى الجامعة ونصب عينه
العمل والدراسة ، لم يكن في وقته شيء ً متاح إلى عادة قديمة في عمل قديم
كان يعمله في العطل الصيفية وأحيانا ً أثناء أيام المدرسة ، وكان انحصار
تفكيره بالحل السريع بالعمل يتجه نحو العمل في السوق المركزي للخضار
والفواكه في تحميل البضاعة – عتـال - .
كان دوامه في الجامعة في ثلاث أيام متقطعة
يوم السبت ، الاثنين ، الأربعاء يبدأ في وقت متأخر عند الساعة الحادية
عشرة صباحا ً ، و العمل متوافق مع جامعته في تلك الأيام ، فالعمل في هذا
السوق يبدأ عند الخامسة صباحا ً ، ويستطيع أن ينهيه عند الساعة التاسعة ،
مما يوفر له الوقت الكافي للمواضبة على دوامه في الجامعة .
وبالفعل بدأ العمل ، فكان في تلك الأيام الثلاثة يستيقظ من النوم عند
الساعة الرابعة صباحا ً ويتجه إلى العمل حتى التاسعة ، وما يجنيه في كل يوم
كان مصروفا ً له ليومين في الجامعة ، فكان ينهي عمله فيحضر معه الفطور إلى
البيت ، فيتناول فطوره مع أمه و يذهب إلى الجامعة .
استطاع بذلك طيف أن يحسن وضعه بعض الشيء، واشترى مما وفره بعض الملابس، وكل
اعتماده على العمل، ولم يطلب من والدته مصروفا ً أبدا ً، ولم تثنه
الامتحانات في الجامعة عن العمل في تلك الأيام، فان لم يعمل في يوم فقر
ليومين.
وفي يوم اثنين عاد من الجامعة وكان به مرض شديد ، حمى الانفلونزة الذي كان
يؤثر به بشكل فظيع ، نام قدر استطاعته ، وحاولت أمه جاهده لتخفيض حرارته ،
وتناول الأدوية المساعدة لتخفيف وطأت هذا المرض ، وكان جل تفكيره ليس بمرضه
، بل بالعمل في صباح اليوم التالي والا فقر ليومين .استيقظ عند موعد العمل
ولم يكن يقوى على الحركة، أصر على الذهاب إلى العمل، حاولت أمه ردعه
ودموعها من عينيها تنهمر، أصر وأصر مهونا ً الأمر على أمه بقوله :يا أمي لن
اعمل كثيرا ً، سأحمل بضاعة أصدقائي من التجار الذين ينتظروني كل يوم من
هذه الأيام، وسأعود مباشرة، فاجني أقل مبلغ ممكن يمكنني من الإنفاق على
نفسي في هذين اليومين التاليين.
ذهب طيف إلى العمل مترنحا ً، وحرارته بارتفاع، وقابل أول زبائنه الكبار
الذين يحترمونه بشكل فظيع، فهم يعلمون أنه طالب جامعة ويعمل حمالا ً من أجل
دراسته، وفي أول حمل له على العربة، كان يجرها والألم يقضي عليه، شيء صرخ
فيه قائلا ً:توقف يا طيف
طيف في عجب شديد، التفت حوله ولا أحد من حوله ينظر إليه موجها ً أي كلمة،
عاود المحاولة في جر العربة والسير بها، وحضر الصوت مجددا ً: توقف يا طيف
صعق طيف ، فلم يكن ممن حوله من التجار ينده عله ، وجه وجهه إلى السماء
الغائمة ، وشيء ما مسك برأسه يلف به إلى الأرض ، فرأى عند قدميه صرة مال ،
مد يده إلى المال ومسكه ، ورفع يده إلى الأعلى ليبدأ النده ( لمن هذه
النقود .. ؟! )، و اليد الخفية التي مسكت رأسه أطبقت على فمه، فلم يقوى
لسانه على الحركة، ومسكت يده حاملة النقود ولفت بها إلى جيبه وهو في ذهول
كبير، وصوت صدح قائلا ً اذهب يا طيف
أيقن طيف أن الموقف أعظم من أن يتخيله بشر في حلم أو واقع ، ذهب وأوصل الحمل إلى سيارة زبونه وهو يكلم نفسه ( كيف ، ما الذي حصل ..؟! )
، وعندما انتهى من إفراغ الحمولة مد يده إلى جيبه مخرجا ً المال ، نفل صرة
النقود فوجدها تكفيه إسبوعا ً كاملا ً ، نظر إلى السماء وعينيه تدمع في
خفاء عن الناس ، وكأنما السماء تضحك له ، وكأن الغيوم رسمت وجها ً ابيضا ً
يبتسم ، وقطرات خفيفة من المطر تنهمر على وجنته مخفية دموعه عن الناس .
أنهى طيف عمله بأسرع مما كان متوقع ، وعاد إلى البيت كالعادة ومعه الفطور
له ولامه ، استغربت أمه من عودته الباكرة جدا ً ، وكان محض استغرابها انه
احضر الفطور ، فلو لم يعمل جيدا ً باعتقادها لما عاد بفطور ، وكيف عمل طيف
جيدا ً وجنى الشيء الجيد من عمله ولم يغب عن البيت ساعتين ..؟
سألته أمه : كيف أنت ألان يا حبيبي طيف ؟
أجاب : الحمد لله يا أمي أحسن
فقالت : حبيبي أنت عدت باكرا ً واجدك ما جنيته أحضرت به الفطور ، فلم يكن هنالك داع ٍ له ، الم يبقى لديك مصروف ؟
أجابها: لا يا أمي الحمد لله لدي الكثير، وهذا المبلغ البسيط جدا ً لك
أيضا استغربت أكثر وقالت له: كيف جنيت هذا المبلغ ومعك زيادة ولم تغب عن
البيت في العمل ساعتين ؟
أجابها ودمعة فلّت من عينيه : و فـي السمـاء رزقكـم ومـا تـوعـدون

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» من قصص النعمان بن ماء السماء
» ارفع عينيك الى السماء وابتهل
» نجوم إستغنت عنها السماء
» دعاء تحركت له الملائكة في السماء