[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
حديث قصة المقداد والأعنز
هذه القصة يرويها الإمام مسلم و الترمذي باختصارٍ، و أحمد رحمهم الله تعالى.
يقول المقداد رضي الله عنه وأرضاه: ( أقبلت أنا وصاحبان لي وفي رواية: قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابنا جوعٌ شديدٌ، فتعرضنا للناس، فلم يضفنا أحد وفي رواية لـ مسلم : أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، ومن الجوع والمشقة -ولا شك أن الجوع يؤثر على سمع الإنسان وبصره- فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس أحدٌ منهم يقبلنا ) كل الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا من الفقراء، وهذا يبين الشدة التي كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والفقر الذي عاينوه ولاقوه، ومع ذلك صبروا على الدعوة، وعلى العلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ما وُجِدَ أحد يستطيع أن يطعمهم؛ لأن كل الذين عرضوا عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيءٌ يواسون به، ما هناك أحد عنده طعام زائد يعطي هؤلاء، جاء هؤلاء الثلاثة: المقداد وصاحباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يجدوا أحداً يقبلهم، قال: ( فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق بنا إلى أهله ) وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يفعل، يأتيه الرجل الجائع ولا يوجد من يطعمه، فيذهب به إلى أهله، قال: ( فإذا ثلاثة أعنز -والعنز هي: الشاة أنثى الماعز التي بلغت سنة يطلق عليها عنزٌ- وفي رواية: أربعة أعنز- فلعل واحدةً أضيفت بعد ذلك- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتلبوا هذا اللبن بيننا، قال: فكنا نحتلب، فيشرب كل إنسان منا نصيبه وفي رواية: فقال لي: يا مقداد ! جزأ ألبانها بيننا أرباعاً، فكنت أجزؤه بيننا أرباعاً ) ثلاثة أعنز تحلب والحليب الذي ينتج منها يقسم إلى أربعة أقسام: للنبي صلى الله عليه وسلم قسم، و للمقداد قسم، ولصاحبيه قسمان يقول المقداد رضي الله عنه وأرضاه: ( فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة -أي: تأخر عن موعد عودته المعتاد- فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار، فأكل حتى شبع، وشرب حتى روي، فلو شربت نصيبه ).
شرب المقداد شرب نصيبه الخاص به، وأبقى نصيب النبي عليه الصلاة والسلام، ولما تأخر النبي عليه الصلاة والسلام ذات ليلة، قال: جاءني وارد في نفسي أنه عليه الصلاة والسلام قد دعي إلى عشاء هذه الليلة، وأنه قد أكل حتى شبع، وشرب حتى روي، فلو أنني شربت نصيبه، وفي رواية مسلم : ( فكنا نحتلب، فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه، فيجيء من الليل -هذه العادة النبوية- فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان -لا يكون بصوت مرتفع، ولا بهمس، وإنما يسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان- ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشيطان ذات ليلة، وقد شربت نصيبي، فقال: محمدٌ يأتي الأنصار فيتحفونه -والشيطان لا يقول: صلى الله عليه وسلم، أي: محمد صلى الله عليه وسلم ليس عليه خوف، الناس كلهم يضيفونه- ويصيب عندهم -أي: يطعم عندهم- ما به حاجة إلى هذه الجُرعة ) أو الجَرعة، والفعل منه: جرعت، وهي: الحثوة من المشروب.
وسوس الشيطان للمقداد وقال: ما بمحمد حاجة إلى هذه الجرعة، أكيد أنه الآن قد شبع، قال: ( فأتيتها فشربتها وفي رواية: فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته، ثم غطيت القدح ...) يقول: في النهاية استسلمت لهذا الرأي، ولهذا الوارد، وأتيت إلى نصيب النبي صلى الله عليه وسلم فشربته وغطيت القدح، قال: ( فلما أن وغلت في بطني -أي: دخلت بطني وتمكنت من بطني- وعلمت أنه ليس إليها سبيل، ندمني الشيطان وفي رواية: فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته ثم غطيت القدح، فلما فرغت، أخذني ما حدث، فقلت: يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعاً ولا يجد شيئاً! وفي رواية أخرى لـ أحمد يقول: فلما وغلت في بطني -أي: الشربة- وعرف -أي: الشيطان- أنه ليس إليها سبيلٌ، ندمني، فقال: ويحك! ما صنعت؟ شربت شراب محمد، فيجيء ولا يراه، فيدعو عليك فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك وفي رواية مسلم قال: ندمني الشيطان، فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمد فيجيء، فلا يجده، فيدعو عليك فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك، قال: وعليَّ شملة -أي: كساء يتغطى ويلتف به- إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرجت قدماي -أي: أن الذي عنده كساءٌ قصيرٌ لا يكفي، وهذا من فقره رضي الله عنه- وفي رواية أحمد : وعليَّ شملةٌ من صوف، كلما رفعتها على رأسي خرجت قدماي، وإذا أرسلتها على قدميَّ خرج رأسي، وجعل لا يجيء لي نومٌ وفي رواية مسلم : وجعل لا يجيء لي النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت -أنا الذي أجرمت وأذنبت، وأخذت شربة النبي صلى الله عليه وسلم- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فسلَّم كما كان يسلِّم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه، فكشف عنه فلم يجد فيه شيئاً، فرفع رأسه إلى السماء، فقلت: الآن يدعو عليَّ فأهلك، حضرت ساعة الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني، فلما سمع هذه الدعوة، قال: اغتنمت الدعوة -وذلك لأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة- فعمدت إلى الشملة، فشددتها عليَّ -تأهب- وأخذت الشفرة -أي: السكين- فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها للرسول صلى الله عليه وسلم -مع أنها ليست ملكه- فجعلت أجتسها أيها أسمن ) وهو يجتسها فوجئ بمفاجئة غريبة جداً، كان قد حلب الأعنز قبل قليل، وقسم اللبن وشرب نصيبه ونصيب الرسول صلى الله عليه وسلم، والعنز إذا حلبت تحتاج حتى يمتلئ ضرعها مرة أخرى إلى يوم، أو بعض يوم، فيقول: ( فلا تمر يدي على ضرع واحدةٍ إلا وجدتها حافلاً -أي: ممتلئة باللبن، والحيوان كثير اللبن يقال له: حافل، والجمع: حفل- وإذا هنُّ حفلٌ كلهن -أي: كل الأعنز ممتلئة الضرع باللبن- فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه وسلم، ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه -إناء كبير- فحلبت فيه حتى علته رغوة -وهو زبد اللبن الذي يعلو اللبن بعد حلبه، يقال: رغوة، أو رِغوة، أو رُغوة، أو رُغاية، أو رِغاوة، كلها صحيحة- فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء اللبن، فقال: أشربتم شرابكم الليلة؟ قال: قلت: يا رسول الله! اشرب -ما أجاب، هرب من الجواب- فشرب ثم ناولني، فقلت: يا رسول الله! اشرب، فشرب ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وفي رواية: فقلت: اشرب يا رسول الله! فشرب عليه الصلاة والسلام حتى تضلع صلى الله عليه وسلم، فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وأصبت دعوته: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني، ضحكت حتى استلقيت على الأرض من الضحك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إحدى سوءاتك يا مقداد ! -أكيد أنك فعلت سوءةً من الفعلات، هذه الضحكة ما وراءها إلا فعلة فعلتها وسوءة أقدمت عليها، فما هي؟- قال: فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا وفي رواية: فقال: ما الخبر؟ فأخبرته، فقال صلى الله عليه وسلم: هذه بركة وفي رواية: ما هذه إلا رحمةٌ من الله، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها؟ فقلت: والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتَها وأصبتُها معك من أصابها من الناس ) بعدما أصابتني البركة الآن وأصابتني دعوتك لا أبالي بعد ذلك شرب من شرب .
الفوائد المنتقاة من حديث المقداد
1-
هذا الحديث -ولا شك- فيه بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
2-
وفيه: معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي: أن هذه الأعنز كانت فارغة قد حلبت، والآن بعد فترة يسيرة جداً رجع اللبن إليها أكثر مما كان، فإحداث اللبن في غير وقته على خلاف العادة؛ هذه معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي قصدها بقوله: ( ما هذه إلا رحمةٌ من الله ) وفي رواية قال: ( هذه بركة ) وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، لأنه رد الأمر إلى الله، لم يقل: هذا بسببي، وهذا بدعائي، وإنما قال: ( ما هذه إلا رحمةٌ من الله ) ولذلك إذا حصل للإنسان كرامة، أو حصل له شيء وفضل، فلا يقل: هذا بعرقي بذكائي بجهدي، وإنما يقول: هذا من الله وهذه فائدة عظيمة؛ أن أي فضل يحدث لك ونعمة تحدث لك، انسبها إلى المنعم، وقل: هذه من الله، وهذا من شكر النعمة؛ لأن شكر النعمة له صور كثيرة: أ- فمن شكر النعمة ألا تجحدها.
ب- ومن شكر النعمة أن تنسبها إلى الله.
جـ- ومن شكر النعمة أن تستخدم في طاعة الله.
د- ومن شكر النعمة أن تحدث بها ولا تكتمها { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11].
فشكر النعمة لها عدة طرق، وهذا منها: نسبة النعمة إلى الله سبحانه وتعالى.
3-
فيه: ما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من الجهد والمشقة والجوع، ومع ذلك تحملوا ما تحملوا في سبيل الله، لم يذهبوا يشتغلوا بالتجارة ويتركوا الدين والدعوة والعلم، وإنما كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
4-
وفيه: حِلم النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن خلقه، وكرم نفسه، وصبره.
5_ وفيه: إغضاؤه عن حقوقه، لم يقل: أين نصيبي من اللبن؟ بل قال: أشربتم شرابكم الليلة؟ ولو كان واحداً منا لقال: أين نصيبي؟ من الذي أخذ نصيبي؟ وربما سب ودعا على الذي أخذ نصيبه، كما يفعل بعض الناس إذا ذهب نصيبه؛ يدعو ألا يبارك لمن أخذه ولمن شربه، فمما نستفيد: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عنده كرم نفس وصبر، وكان يتغاضى عن حقوقه.
6-
وفيه: الدعاء للمحسن والخادم، ولمن سيفعل خيراً فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى الإناء فارغاً، قال: ( اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني ) وهذه الدعوة لمن سيطعمه ولمن سيسقيه، ولأنه ما رأى اللبن، فقال: ( اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني ) لعله يأتي أحد يطعمه ويسقيه، فدعا له، وهذا دعاء لمن سيفعل له معروفاً.
إذاً: الدعاء يكون لمن صنع لك المعروف في الماضي، أو لمن يصنع لك الآن، لكن هذا دعاء عجيب، هذا دعاء لمن سيصنع له معروفاً في المستقبل ( اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني ) في المستقبل.
لذلك لو قال أحد الناس: ما هو المبرر؟ لماذا أراد المقداد أن يذبح الأعنز؟ لأنه لما سمع الدعوة: ( اللهم أطعم من أطعمني ) ذهب يذبح ليطعم النبي عليه الصلاة والسلام، وفسر لي شيخنا عبد العزيز هذه اللفظة: بأن المقداد لعله فعلها ليطعم النبي عليه الصلاة والسلام؛ متأولاً راجياً بركة الدعاء لما قال: ( اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني ).
7-
وفيه: أن الإنسان إذا جاء إلى مجموعة ظاهرهم النوم، ولكن يحتمل أن بعضهم ما ناموا بعد، فإن طريقة السلام حينئذٍ أن يسلم بصوت متوسط لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان حتى يرد السلام، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
8-
وفيه: إشفاق الصحابي على نفسه، وخوف الصحابي على نفسه من أن يدعو عليه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه تسبب له في شيء من الأذى في حرمانه من نصيبه وإبقائه على الجوع، ولذلك لما علم المقداد أن النبي عليه الصلاة والسلام قد روي وأجيبت دعوته من شدة الفرح بزوال الغم الذي كان في صدره؛ ضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لما ذهب من حزنه، وانقلاب هذا الحزن فرحاً وسروراً بشرب النبي عليه الصلاة والسلام، وشبع النبي عليه الصلاة والسلام، ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام، وإجابة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، وأن ذلك جرى على يد المقداد ؛ لأنه هو الذي جاء إلى الأعنز فوجدها حفلاً، وهو الذي كان سبباً عندما شرب اللبن.
9-
وفيه: أن الشيطان يسول للإنسان فعل المعصية ثم يندمه عليها الشيطان لا يكتفي بأن يوقع الإنسان في المعصية، بل بعدما يحدث كل شيء يأتي الشيطان ويزيد الطين بلةً، قال تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } [إبراهيم:22] فالشيطان لا يترك الإنسان حتى يقع في المعصية، وإذا وقع في المعصية كرَّ عليه مرة أخرى بالتعرض له بسيئات وسلبيات المعصية؛ حتى يركب الإنسان الهم والغم والحزن نتيجة ما حصل، فلا يكون عليه فقط سوء المعصية، وإنما عليه الهم والغم الذي حصل بعد ذلك.
10-
وفيه: أن المقداد عزا ما حصل إلى الشيطان وإلى تسويل نفسه، وأن الشيطان يضع الخطة، فإنه قال له: النبي صلى الله عليه وسلم عنده أصحاب، وعنده أكل، فما تأخر إلا وقد شرب وشبع وأكل، ولا زال بـ المقداد حتى جعله يشرب نصيب النبي عليه الصلاة والسلام.
11-
وفيه: تلطف النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وفطنته وفراسته؛ فإنه عندما نظر إلى المقداد وهو يضحك عرف أن في أمره شيئاً، وقال: ( إحدى سوءاتك يا مقداد ) .
12-
وفيه: أن الإنسان إذا حضره خير لا ينسى أصحابه، ولا ينسى جيرانه؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال للمقداد : ( أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها )، وقال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وهكذا النبي صلى الله عليه وسلم تمنى أن يستيقظ الآخران ليشربا أيضاً.
13-
وفيه: تقاسم ما حضر مع الفقراء، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما وجد الأعنز تقاسم حلبها مع هؤلاء الثلاثة الفقراء، والاقتسام هذا يجعل فيها بركةً وأجراً، وأن الشيء إذا كان محدوداً فلا بأس أن يعطى كل واحد قسطاً، يجعل له نصيب حتى لا يتعدى على نصيب الآخر ( جزأ ألبانها بيننا أرباعاً ) يجعل لكل واحد ربع خاص به، فيعرف ما هو له فيشربه ولا يتعدى على نصيب غيره.
14-
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى المسجد صلى وهكذا لما دخل صلى ثم جاء إلى الشراب.
15-
وفيه: إكرام الصحابة والأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بما كانوا يتحفونه به ويطعمونه ويسقونه رضي الله عنهم، وهذا من إكرامهم للنبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من الأسباب التي حصل لهم بها رضوان الله تعالى عليهم.
16-
وفيه: أن الإنسان إذا جاع وبلغ الجوع به غايته، فلا بأس أن يعرض نفسه على من يطعمه، وأن ذلك لا يجعله يأثم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم المسألة إلا لصاحب الحاجة، وأخبر أن الذي يسأل الناس من غير حاجة إنما يسأله خدوشاً في وجهه يوم القيامة، تأتي المسألة يوم القيامة في وجه صاحبها خدوشاً، وهذا إذا سأل وله ما يغنيه، أما هؤلاء الصحابة فإن الجوع بلغ بهم أن ذهبت أسماعهم وأبصارهم، اختلت الرؤية والسمع من شدة الجوع.
17-
وفيه: حمد الله سبحانه وتعالى على النعمة، وأن الإنسان إذا كان به جوع فلا بأس أن يزداد من الطعام، كما يحمل عليه الشبع الذي حصل في حديث أبي هريرة الذي سبق ذكره.
18-
وفيه: أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام مستجابة.
هذه بعض ما تضمنته هذه القصة اللطيفة من الفوائد.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الآخرة، وأن يجعلنا ممن يستعين بالدنيا على مرضاة الله عز وجل .
سلسلة القصص محمد صالح المنجد