تفسير لبعض آي الكتاب 1

السلام عليكم ورحمة الله
والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم


((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ))، ((عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)):

النبأ العظيم: محمد صلى الله عليه وسلم، أو دينه، أو كتابه، فهو حديث
المجالس، وذكر الراكب، وقصة السمار، يحق للجموع أن تسأل عنه،
ويصح للجماهير أن تتحدث عنه؛ لأن نبأه عظيم، وخلقه عظيم، وهو
عظيم.


لعظمك في النفوس تبات ترعى بحراس وحفاظ ثقات



وتوقد حولك النيران ليلاً لأنك أنت إحدى المعجزات


نبؤه عظيم؛ ما طرق العالم ناقوس كناقوسه، ولا دق جرس الدنيا منذر مثله،
ولا عرف الكون شمساً كشمسه.
نبؤه عظيم؛ لما بعث أسرعت الشهب تحرق الشياطين، وأغلقت أبواب السماء
عن الأفاكين، وتهاوت الكواكب تتلف الكهنة والمشعوذين، واختفى الدجاجلة
وراء ستار الخيبة إلى أبد الآبدين.
نبؤه عظيم؛ بشرت به الكتب قبل وصوله، وأخبرت به الرسل قبل مثوله،
وسمعت به الأمم وتساءلت عنه، وتحدثت عنه الشعوب، وأصبح اسمه
يدار في القبائل.
هو النبأ العظيم؛ اسمه في المصاحف، وذكره على المنابر، ومدحه يتلى
على المنابر، ومناقبه ترصع بها الدواوين، وأوصافه تدبج بها الأسفار،
شرقت مبادؤه وغربت، وكبرت في الأرض كتائبه وهللت.
هو النبأ العظيم؛ لأنه رسول أهل الأرض، الذي حمل رسالة من في السماء،
وخاتم الرسل المبعوث بأشرف الملل وأكمل الشرائع وأحسن السور.



((الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)):اختلفوا في محمد صلى الله عليه وسلم،
أو في دينه، أو في كتابه، والشعوب والأمم والدول تختلف في العظماء،
وهو عين إنسان العظمة.
اختلفوا فيه:
فمنهم من ظن أنه ساحر: يقرطس الأوهام، ويلعب بالأحلام، وينقط بالأقلام؛
وليس كذلك.
ومنهم من ظن أنه شاعر: يغازل القوافي، ويتلهى بالمبالغات، ويهيم في أودية الضلال، ويفتعل الأقوال في عوالم الخيال، وليس كذلك.
ومنهم من ظن أنه مجنون: ذهب عقله، وطار لبه، وسقط رشده، يصرع في الأندية، ويهذي في المحافل، ويهرف في مجامع الناس؟
وليس كذلك.
ومنهم من ظن أنه كاهن: يدعي علم الغيب، ويضرب بالحصى، ويزجر
الطير، ويضحك على العقول بأحرف أباجاد هوز؛ وليس كذلك.
هو رسول معصوم، ورحمة مهداة، ونعمة مسداة، ومستقبل مقسوم لأمة،
وبشارة لأجيال واعدة، ومنقذ لكون مضطرب، ومعلم أمي لأمة أمية؛ لم
يحفظ اسمها التاريخ، ولم يلتق بها المجد، ولم يعانقها الدهر.
كلامه حجج تتلى، وأفعاله سنن تروى، وأوصافه شرائع تملى، وزمام
القيادات منوطة بزمامه، والزعامات رهينة لمقامه، يحكم بحجة، وينطق
ببرهان، ويحيي شريعة، ويعمل في سنة، ويدعو إلى جنة، ويصلي إلى قبلة، ويناجي إلهاً.






((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)):سوف يعلم هؤلاء الجهلة
الأغبياء؛ أهو صادق أم كاذب، إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور.
سوف يعلمون أيهم أصدق وأبر وأوفى، هم أم هو؟
هم: وهم يعبدون الوثن، ويذبحون للنصب، ويصدقون الكهانة، ويصاحبون
مردة الشياطين.
أو هو: وهو الحنيف المسلم، طيب الأردان، طاهر الثياب، صحيح العقيدة،
طاهر الحجة.
هم: وكؤوس الخمر تدار على رؤوسهم، وأقنعة الضلالة تلف على نفوسهم،
وران الباطل يخيم على أفكارهم.
أو هو: وهو نور على نور، ففطرته على الميثاق الأول، ودعوته على
منهج الخليل، وسيرته على ميلاد النبوة الأولى.
سيعلمون: أهو جامع حطام، طالب رئاسة، ظامئ للدم، ثائر للفتنة، منتهز
للفرص، مبتز للمطامع.
أو هو صادق يربط الحجر على بطنه ليفتح أتباعه مغاليق الكنوز، فلا يأخذ
منها درهماً، وينام على حصير النخل لينام ملوك أمته على مقاصير كسرى وقيصر، ولا يرى بعينه منها شيئاً، ويشرد عن وطنه وأهله وذويه لتطوق
أمته ربوع العالم، وتفتح قلاع الدنيا، وتؤذن في أصقاع المعمورة، وتصلي
في أطراف الكرة الأرضية.
وفي الحقيقة: إنه صادق وهم كاذبون،

((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)).